لا حياء في الأدبِ الأشعار الإباحية في الميثولوجيا السوريّة

 

لا حياء في الأدبِ !!
الأشعار الإباحية في الميثولوجيا السوريّة

كانت النظرة الاجتماعية الموجودة في بلاد الرافدين و سوريا القديمة نحو المرأة قبل آلاف السنين عند بداية العصر الحجري الحديث , نظرة إلاهية تقديسيه , يُقدس بها الامرأة التي تنجب و تربي و ترعي المصالح الاجتماعية , ف قورنت بالأرض الخصبة الّتي تنتج القمح و الحنطة و الثمار و الغداء , ف كانت الامرأة رمز للحياة و للعطاء و للاستمرار , و كانت تلك المجتمعات الحضارية الأولى التي تطورت إلى أريف ف مدن ف ممالك ف امبراطوريات تعتمد على الزراعة و المياه حال أي أمة أو تجمع حضري في التاريخ , ف أصبحت الأرض مرتبطة بكيان الإنسان يعمل بها و يعتني بها و يبارك لها و يشكرها.

ف أقام لها الأعياد في موسم الزراعة و أعياد أخرى في موسم الحصاد , و كانت هذه الأعياد و الاحتفالات موسم للزيجات بين العاشقين , و خصوصا في عيد الأكيتو << عيد رأس السنة السورية >>, العيد الأكثر قداسه في الهلال الخصيب , ف كانت احد الطقوس فيه هو احتفال الشعب ب زواج الآلهة مردوك من عشتار آلهة الحب و الحرب و الجنس و الخصوبة , و كانت تقام مسرحية تعيد إحياء هذا الزواج و يلعب الملك دور مردوك و تلعب كبيرة الكهنة دور عشتار , ف كان الشعراء يقومون بوصف هذه الاحداث و يتعمقون بشرح تفاصيل ليلة الدخلة لما لها أهمية في عملية الإنجاب و في نفس الوقت يزرع المزارعون أرضهم لحصاد محصولها في الموسم المقبل.

فأصبحت علاقة الرجل مع الامرأة كعلاقة الفلاح مع أرضه , علاقة روحية معنوية ملموسة , ف أخذت المرأة مكانة عالية جدا في حضارتنا و ثقافتنا القديمة و أصبحت أول آلهة على بني البشر , ثم ظهرت آلهة أخرى كالقمر و الشمس و الرياح و المياه و الخ.. ف أضحى الشعراء يبجلون عظمة و قوّة الآلهة و كيف بإمكانهم اسقاط المطر على الأرض لينبت المحصول و يشبهون هذه العملية كالعلاقة الجنسية بين رجل و امرأة , فتحدثت أحد القصائد عن مقدرة الآلهة انكي الاخصابية للحيوان و النبات و قدرته على ملئ الأنهار بالمياه بقوته الجنسية , ف قيل :

عندما رفع الأب انكي عينه على نهر الفرات
وقف بخيلاء كالثور الهائج
رفع قضيبه , و قذف المني
فملأ دجلة بالماء الرقراق
البقرة البرية تخور من أجل صغارها في المراعي
العقرب غزت الاصطبل
استسلم له دجلة كما لثورٍ هائج
رفع قضيبه , و معه هدية الزفاف
جاء بالفرح إلى دجلة
مثل ثورٍ بري كبير عند الإخصاب


لوحة طيبنية بابلية تظهر زوجين يتزاوجان تعود إلى حقبة السلالة الأمورية 1894-1595 قبل الميلاد محفوظة في متحف اسرائيل في القدس- فلسطين
لم تكن هذه الأنواع محصورة فقط بين الآلهة و الأرض , بل كانت نوع من الغزل تقوم به النساء لكي تثير الرجل , ف أحد الشاعرات الكهنة كانت تحتفل بزواجها , ف أنشدت بعض الأشعار لعريسها الملك شوسين رابع ملوك سلالة أور الثالثة (2036 – 2028 ق.م) , فقالت :
أيها العريس عزيز أنت على قلبي
ما ألذ "وصالك" حلو كالشهد
لقد أسرتني فها أنا أقف مرتعشة أمامك
أيها العريس ليتك أخذتني إلى غرفة النوم
أيها العريس دعني أقبلك
فقبلتي حلوة ألذ من الشهد
و في غرفة النوم المملوءة شهداً
دعني أتمتع بجمالك اللطيف
أما من أجلي , بل من أجل فرجي
من أجلي أنا الرابية المكومة عالياً
لي , أنا العذراء , فمن يحرثه لي ؟
فرجي , الأرض المروية من أجلي
لي , أنا الملكة , من يضع الثور هناك ؟
و لعل أبرز الأناشيد و الأشعار المكتشفة في التاريخ المكتوب كانت للشاعرة " أناهيدو نانا " و اسمها يعني " هدية الله إلى الأرض " و هي أول شاعرة و كانت بنت الملك سرجون الأكادي أول من وحد الهلال الخصيب و والدتها تشلو لتوم كاهنة عليا مقدسة تدير شؤون المعبد , ف في أحد قصائد الشاعرة أناهيدو نانا كانت تصف فيها كيف ستكون ليلة دخلتها من زوجها فقالت :

سوف ازين جسدي لسيدي و عريسي
حتى يحرثني كما ثور يحرث الحقل
سوف اطيب شفاهي و اعطر فمي
سوف أضع الكحل على عيوني
و سوف يضمني عريسي إلى صدره
و يأخذني بين ذراعيه
سوف يضجع قربي على سرير اللذة
ثم يريق حليبه و عسله على جسدي
و سوف يلمس جسدي بيده
و نحن في مخدع العرس
سوف يداعبني و اداعبه
و سوف اجعله يشعر وكأنه في جنات النعيم
سوف اجعل عريسي يملك البلاد
و سوف اجلسه على عرش الملوك
سوف اجعله ملك الملوك

لوحة تيرا كوتا الطينية من بلاد ما بين النهرين وتظهر زوجين يتزاوجان وهما يشربان الجعة (البيرة) وتعود إلى بداية الألفية الثانية قبل الميلاد محفوظة في متحف اسرائيل في القدس- فلسطين
اكتُشف ل أناهيدو نانا 42 ترنيمة مكتوبة على 37 لوحاً و يطلق على أعمالها اسم " مبدأ سيدة الحياة " و نظمت مجموعاتها الشعرية , ف أحد مجموعاتها اسمها <<انتصار إينانا>> و هي مؤلفة من حوالي 182 سطراً , و أُخرى أسمها <<السيدة السماوية اينانا الراعية>> و هي مؤلفة من 225 سطراً .
اذا اسقطنا ما تكلم به أسلافنا على حاضرنا , نرى بأنَّ ماضينا الجلي كان حُرًّ فكرياً , على عكس اليوم , كنا نقدس الجنس و نربطه بعطاء الأرض , على عكس اليوم , كنا نبجل و ننحني لأمهاتنا و نسائنا و نحترمهم و نقلدهم أرفع المناصب , على عكس اليوم , كنا حضارة متنورة ألهمت الجميع إنسانيا و ثقافياً , على عكس اليوم , ف أين وجهنا من تاريخنا , من تاريخ كتبه حد السيف على أعناقنا , من تاريخ كتبه فِكرٌ مغلق فُرِضَ على أمة النجوم , أعيدُ الثورَ إلى أرضه ليحرثها و انزلوا الفلّاح لكي يزرعها , و ادعوا للرب لكي يبللها , لعلنا نستيقظ من موتنا !؟

سامي الأطرش

المصادر:

• علي فاضل عبد الواحد – مأساة تموز و عشتار.
• كريمر صموئيل – طقوس الجنس المقدس.
• أ.د عيد مرعي – عبادة آلهة الخصوبة في الشرق القديم.
• فايز مقدسي – (نص الشاعرة أناهيدو نانا) ترجم النصوص السومرية و البابلية الأصلية من الفرنسية و الإنكليزية إلى العربية – باريس 2014.

Comments

Popular Posts