الفولاذ المُدمشق والاسطورة خلفَ السّيف الدمشقي

 الفولاذ المُدمشق والاسطورة خلفَ السّيف الدمشقي

عندما دخل الصليبيون سوريا وأنشؤوا ممالكهم عليها (1096-1291), كانوا بدايةً مُتجهين إلى القُدس عبرَ آنطاكيّة وطرابلس 
وعكا, واجهوا خلال مسيرهم جيوش السّلاجقة الأتراك, و رُغم هزيمة السُلجق, إلّا أنَّ الأسطورة الّتي تناقلوها الصليبيون آنذاك كانت عن: سيفٌ فتّاك اُستعمل على دروعهم الحديديّة مُخترقًا إيَاها, مُمزّقا للسُترة الحديديّة المُشبّكة, ليَشُقَّ طريقهُ نحوَ الأعضاء الحيويّة, راميًا فُرسان الرّبِّ أرضًا

 

لكن مالم يعرفوهُ حينها, بأنَّ السّلاجقة كانوا يستخدمون, أمتن السّيوف الّتي عرفها العالم وأكثرها حِدَّةً, ومُقاومةً للتّصدُّع, وذلك يعود إلى سِر صِناعتهِ وتناقلها حصرًا داخل العائلات الدمشقيّة والسّوريّة المُتخصصة, الّتي تُمارس مهنة صناعة السّيوف عبر الأجيال, والّتي لم تُكتشف أسرار تلك المهنة كاملةً إلى الآن بسبب اندثارِ صناعتها في القرن الثامن عشر

 

turkeyfamousfor.com نموذج عن السيف الدمشقي من


ذاعَ سُيطُ السّيف الدمشقي, واشتهر فورًا بين المُقاتلين والفُرسان الصليبيين لخفة وزنهِ وقوّة أدائهِ, متانتهِ وليونتهِ, شكلهِ وزخارفهِ, وتناقُضاته في تركيبتهِ الكيميائيّة, جميعها جعلت من السّيف الدمشقي أجملَ ما كانَ يراه المُحارب عندما يُشرّح ريشةً في الهواء إلى نُصفين, وهذا ما كانت تعجز عنهُ سيوف ذلك العصر.

 

حظيَ حينها السّيف الدمشقي باهتمامٍ واسع, وأثار العديد من التوقعات والأساطير عن طريقة صُنعه, البعض قالَ بأنَّ وبعد تسخيين السّيف وتبريده ومن ثُمَّ تسخينه, يتم تبرييدهِ آخيرًا بدم التنانين, وقُصةً أُخرى وقد تكون طُرفة قيلت للصلييبين بأنَّ عمليّة تبريد الفولاذ تأتي من خلال وضعه في بول طفل أحمر الشّعر!, وآخرون كشفوا بأنَّ على السّيف أن يُبرّد في وعاء من بول عُمره ثلاث أيام من عنزة عُمرها ثلاثة سنوات لا تأكُل سوى السّراخس!, وهذهِ القُصص والسّلبات الّتي كانوا يتداولونها الشّوام على الغُرباء جميعها كانت تُؤخذ على محمل الجديّة.

 

ravencresttactical.com نموذج عن السيف الدمشقي من

وقد دفعَ أحفاد هذه الصُّنعة ثمن سِر المهنة, عندما أمر تيمورلنك (1336-1405) بنقل مركز المهنة من سوريا إلى خوراسان, وسحبَ العديد من حرفيي السّيوف من دمشق إلى سمرقند, ومن بعدهها قامَ السُّلطان العُثماني سليم الأول (1470-1520) بنقل  قسري لمعظم الحدادين المهرة من دمشق ليقطنوا تُركيا، واضمحلت تمامًا المهنة, بعد احتلال التاج الملكي البريطاني للهند 1858, وتراجع صناعة الفولاذ الهندواني وهو الفولاذ المكون لمصل السّيف الدمشقي, وكانَ مصدّرهِ من الهند وسريلانكا, وبسبب كُثرة الاضطرابات في الشّام, وتراجع نِسب الآمان على الطُرقات التجاريّة, وقلّة الصّناعيين, تنفست المهنة آخر أنفاسِها, ورقدت السّيوف والدروع الفولاذيّة الدمشقيّة في متحافِ وبيوتِ النُبلاء الأوروبيين

 

استمرت الأبحاث العلميّة الحديثة على السيف الدمشقي, وفي دراسة نُشرت 1998 ل جون فيرهوفن وألفريد بنداري, حاولوا فيها إعادة تصنيع السيّف الدمشقي الأصيل, شارحين بالدراسة المعوقات التقنيّة الّتي واجهتهم والمواد المستخدمة في التصنيع, وسأرفق الدراسة العلميّة للمهتمين, وأيضًا فريق من الباحثين من جامعة دريسدن التنقنيّة في ألمانيا, قاموا باستخدام تقنيّات الأشعة السّينيّة والمجهر الإلكتروني على سيف دمشقي أصيل يعود إلى القرن السابع عشر, واكتشفوا أنّ الفولاذ الدمشقي يحوي في تركيبتهِ على أسلاك نانويّة من السمنتيت, وعلى أنابيب نانويّة وكربونيّة يبلغ طولها حتى 50 نانومتر وعرضها يتراوح بين 10 إلى 20 نانومتر, ومصدر هذهِ الأنابيب الكربونيّة يُتعقد بأنّهُ يعود إلى ألياف نباتيّة من الأوراق والأغصان الخشبيّة

 

turkeyfamousfor.com نموذج عن السيف الدمشقي من

على هذا التتبع السّريع, لم أشئ أن أتطرق عن تركيبة الفولاذ وكيفية صناعة السّيف, بل الفكرة بالمضمون ودائمًا يستنتجها تاريخنا الحضاري, ف في كُلِّ مِهنة كانوا السّوريين مضربَ مثلٍ فيها, أتى من لايُريد أن نعرف أكثرَ منه وسلبَ شهادةِ تفوقنا, كما حدث بمهنة صناعة الحرير في دمشق  وغيرها من التقاليد والفلكلوريّات, الحيّة والغائبة والّتي لا تثار ولا تكوّن أي رمز من رموز الانتماء إلى هذهِ الأرض, صنعنا أسلحة لجيوش العالم ليحتلوا ويقتلوا فيها دورة الحياة على سوريانا, ولكن خُلاصة القول: حتى في أسلحتنا, أضفنا عليها الزخرفة والزينة, لأنَّ أسلحتنا تُحب الفرح.

سامي الأطرش

المصادر

* The mystery of the Damascus Sword by John Verhoeven and Alfred Pendray

http://www.hefajstos.agh.edu.pl/.../%5B1998%5D%20The...

* The key role of impurities in ancient Damascus steel blades

https://www.tms.org/.../jour.../JOM/9809/Verhoeven-9809.html

 

 

Comments