زفاف الأميرة فيكتوريا لويز- سيسي


لم تكن الأميرة المثيرة للجدل مثل غيرها من أميرات عصرها، فكانت هِبةٌ من الله لذويّها وإشراقة جديدة في حياة قيصر المانيا غليوم الثاني هوهنتسولرن، ولدت سنة 1892 لتكون آخر العنقود في عائلة تتألف ستة أخوة من الذكور، فبالتالي علمت أنها محور اهتمام الجميع وهذا أكثر ما أعجبها وبذلت جهدًا كبيرة لجعل البلاط بأكمله يدور حولها(1)، ووفقًا لأخيها ولي العهد الأمير فريدرخ: "كانت هي الوحيدة من بيننا اللذين نجحوا في طفولتهم في الحصول على مسكنٍ دافئ في قلب الإمبراطور"(2).
اهتمت كثيرًا في الأحداث السياسة(3)، وورثت عن والدتها أوغستا فيكتوريا صفاتها الجليلة وكياستها وفضيلتها، وابنة والدها في عنادهِ وجبروته، وكانت على قدرٍ واسع من المعرفة(4)؛ و"واحدة من تلك الفتيات اللاتي يعتقدن أنهن يعلمن كل شيء بشكل أفضل من كبارهن، واللاتي تحت ذريعة الرومانسية يضحين أحيانًا بمزايا كبيرة من أجل تأكيد أنفسهن في مواجهة الكبار"(5).
رغم هذا، فكان من الصعب على الأميرة أن تكسب رضى والدتها، فتوجّست الإمبراطورة الأُم قلقًا إزاء الروح العصرية التي أظهرتها ابنتها، بينما الأميرة شعرت بلذةٍ مُعينة في إحداث الفوضى، خاصةً مع والدتها التقيّة، وكانت حليفتها في هذا الصراع زوجة أخيها البكر الأميرة سيسيلي ماري، وفي أحد المرات أعربت الإمبراطورة عن شجبها واستياءها من بذاءة الملابس النسائية الحديثة كالتنانير القصيرة والمشقوقة، فما كان لدى الأميرة وزوجة أخيها أن لبسوا آخر صيحات الموضة القادمة من باريس من البناطيل الضيقة وأقصر التنانير التي وجدوها لإغاظة الإمبراطورة، وما كان هذا الموقف سوى حلقة واحدة من مسلسل الرعب التي تسببت بهِ الأميرة المشاكسة لوالدتها التقليدية(6).
في العام 1912 حلَّ الأمير إيرنيست أوغسطس دوق برونزويك من آل هانوفر ضيفًا في برلين قادمًا شاكرًا الإمبراطور غليوم لإرساله ولديه فريدرخ وإيتيل لحملهم نعش أخيه المتوفي إثر حادثٍ أليم في براندنبورغ أثناء توجهه لحضور جنازة عمه ملك الدنمارك فريدريك الثامن، دخل إيرنيست عليهم بزيه العسكري البافاري وأعجب البلاط بأناقته ولياقته مما دفع الإمبراطورة الأُم التعليق على زيّه قائلة: "كم من اللطف رؤية الزي البافري هنا، يشبه تمامًا بدلة والدي التي خاض فيها حرب 1870"(7)، ولكن الانطباع الأقوى الذي تركه إيرنست كان على الأميرة سيسي وبدوره تلهّف عليها ووقعوا في الحُب.
بعد تخطي بعض العقبات الدبلوماسية والعائلية بين آل هوهنتسولرن وآل هانوفر، أفصحت الأميرة لويز عن رغبتها في الزواج من إيرنست وأبدت رأيها بأنها فرصة للجم الجراح بين العائلتين النبيلتين التي تسببت بها الحروب القديمة(8 ).
أُقيم الزفاف في أيار 1913، قبل الحرب العالمية الأولى بسنة واحدة، كانت مدينة برلين مليئة بالحماسة والبهجة، حيث امتلأت شوارع "أونتر دن ليندن" من بوابة براندنبورغ حتى القصر الملكي الضخم "شتادتشلوس" بالمحتفين وعمّت الأفراح والأهازيج في برلين وتبرجت المدينة بأبهة زينة لم تشهدها منذ عصور، وفي السماء أعلاه، حام منطاد زبلين الكبير وكان يطوف بصوتٍ عالٍ حول القصر، ويلقي بباقاتٍ من الزهور على المدينة وعلى الجموع، كان منظرًا ساحرًا ورومانسيًا مفعمًا بالغبطةِ والسرور، كلوحة فنية شُرحت لها الصدور، وأمّا داخل القصر الملكي، كان هنالك واحدة من أكبر تجمعات النبلاء في أوائل القرن العشرين، حيث قد جاؤوا من كافة أرجاء أوروبا للاحتفال بزفاف الأميرة فيكتوريا لويز، أصغر أبناء غليوم الثاني قيصر الإمبراطورية الجرمانية، إلى الأمير إرنست أوغسطس حفيد جورج الخامس آخر ملوك هانوفر(9).
سلالة الأميرة لويز مستمرة إلى يومنا هذا، فأنجبت من زواجها إرنست أغسطس أمير عائلة هانوفر خلفًا لأبيه، والملكة فريدريكا ملكة اليونان القرينة، وبالتالي تكون جدة ملك اليونان قسطنطين الثاني، وكذلك ملكة اسبانيا السابقة صوفيا، وتجسّد جمالها الكُلّي وفطنتها في حفيدة حفيدتها أميرة أستورياس الأميرة ليونور دي بوربون ولية عهد اسبانيا الحالية، وغيرهم من النبلاء الأوروبيين.
مقاطع لحفلة الزفاف الملكية:
المصادر:
1-4|كتاب: قداس إمبراطوري؛ جستن فوفك/ ص 242
6- 7- 8|كتاب: قداس إمبراطوري؛ جستن فوفك/ ص 243
2|كتاب: أخوات ملكات؛ آن إدواردز/ ص 266
3|كتاب: آخر القياصرة؛ تايلر ويتل/ ص 285
5| كتاب: نيكولاس وغليوم؛ ميرندا كارتر/ ص 296

Comments